1
اكتب تعليقُا

معرض للصور الفوتوغرافية لأفلام ”الموجة الجديدة“ في باريس

استطاعت ”الموجة الجديدة“ في السينما الفرنسية أن تكون بذاتها حدثاً سينمائياً ممتداً ومؤثّراً وتاريخياً، ما يمكّننا القول أن السينما الفنّية في العالم قد تُصنَّف على أنّها قد تأثّرت بتلك الموجة أو لم تتأثر بها. وهذه السينما صنعها أفراد أتوا إلى التصوير من الكتابة والنّقد، من مجلة ”دفاتر السينما“، أتوا خارج الأطر المحدّدة سلفاً لصناعة السينما، فحملوا كاميراتهم ونزلوا إلى الشوارع. وفي مجلة «الاكسبرسر»، أكتوبر عام ١٩٥٧، أطلق الناقد فرانسوا جيرود تسمية ”الموجة الجديدة“ على هؤلاء الشباب وسينماهم.

عن جانب من هذه الموجة التي ما تزال ثورية وجديدة حتى يومنا هذا، بأساليبها السينمائية، وتحديداً عن التّصوير في تلك الأفلام، افتُتح معرض في ”غاليري جوزيف“ في باريس، في الخامس من هذا الشهر، بعنوان ”أيقونات: من الموجة الجديدة إلى السبعينيات“، مكرّس لصور فوتوغرافية لعمليات صناعة تلك الأفلام، وقد التقطها جميعها كل من ريموند كوشتيير وجورج بيير، وهذه هي الاستعادة الباريسية الأولى للمصوّرَين، بعيداً عن ”طغيان“ صانعي الأفلام وقتها، كجان لوك غودار وجاك ريڤيت وفرانسوا تروفو وكلود شابرول وجاك ديمي وألان رينيه وآخرين ممن تواجدوا في المعرض من خلال المصوّرَين.

ويأتي المعرض كامتداد لتكريم آخر للموجة ولأحد المصوّرين كذلك، كما أنّه لجان لوك غودار، حيث صُنع ملصق الدورة الأخيرة من مهرجان كان السينمائي من الصورة التي التقطها المصوّر جورج بيير، والمأخوذة من فيلم «بييرو المجنون» لغودار، حيث يقبّل كل من جان بول بيلموندو وآنا كارينا بعضهما البعض.

انتشرت تسمية ”الموجة الجديدة“ في الصحافة الفرنسية، واستُعملت كلّما تمت الإشارة إلى هؤلاء المخرجين الشباب المتمرّدين على ”قوانين“ صناعة الأفلام، وقد صنعوا أفلامهم الأولى بين العامين ١٩٥٨ و١٩٦٠، وكانت الواقعية والتلقائية عنصرين أساسيين يميّزان بين هذه الأفلام وبين ما سبقها في السينما الفرنسية، وقد ركّزت على القصص اليومية للحياة العادية لشخصياتها، دون بطولة فيها، مستفيدة من السينما المابعد واقعية الإيطالية، نذكر منها فيلم ڤيتوريو دي سيكا «سارقو البسكليت»، ١٩٤٨.

أمّا تقنياً، فكانت أفلاماً بميزانيات منخفضة، التّصوير كان خارج الاستديوهات، في الشوارع غالباً، بإضاءة طبيعية، الكاميرات أصبحت أخف وأكثر حركة (استفاد المخرجون من الكاميرات الخفيفة التي استُعملت على الجبهات في الحرب العالمية الثانية)، السيناريوهات أتت كذلك خفيفة ومعتمدة بجزء منها على ارتجالات الممثلين غير المحترفين وردود فعلهم التلقائية، مع رفض للأسس الأكاديمية والتقليدية في سرد الحكاية وتقطيع الصّور. وقد قال غودار إنّ ”على القصّة أن تشمل بداية ومنتصف ونهاية، لكن ليس بالضرورة بهذا الترتيب“، وكان للمونتاج تأثير أساسي في صناعة ”الموجة الجديدة“ على أساس نظرية غودار هذه. 

وكان لهذه الرّوح الثوريّة أن تُلتقط من قبل مصوّرين فوتوغرافيين يرافقون صناعة الفيلم ويلتقطون من مشاهده صوراً لها وظيفة آنية وهي الترويج للفيلم صحافياً وإعلانياً قبل نزوله إلى الصالات، ووظيفة ممتدة زمانياً، تخلّد بعض مَشاهد الفيلم، وتسمح بإعادة إنتاجها، كما هو الحال مع ملصق مهرجان كان الأخير.

كان على المصوّرين أن يعملوا بخفّة، أن يلتقطو صورهم لمَشاهد الفيلم وكذلك للمخرج أثناء عمله، دون أن يعيقوا، بكاميراتهم العديدة وضجيجها، عمل الآخرين، وأساساً أن يجدوا مكاناً مثالياً لالتقاط الصّور، وأحياناً كان مصوّرٌ يطلب من ممثلين، أثناء الاستراحة بين مشهدين، إعادة ”تمثيل“ أحد المشاهد ليتلقط هو الصّورة له.

مثال على أهميّة هذه الصّور، هي تلك المأخوذة عن فيلم غودار الأوّل، «À bout de souffle»، ١٩٦٠، وهي الصورة الأشهر عن/من ذلك الفيلم، فهي ليست إطاراً من الفيلم صوّره غودار، بل صورة فوتوغرافية للمصوّر كوشتيير، منفصلة تماماً عن الفيلم، وهي ”أيقونة“ الفيلم اليوم، وهذا يُظهر الدور الأساسي لهذه الصور الفوتوغرافية، الخارجة عن الفيلم، في صناعة صورة الفيلم المتشكّلة متى نزل الفيلم إلى الصالات.

الفيلم وصناعته

ترك صنّاع أفلام ”الموجة الجديدة“ الاستديوهات ونزلوا إلى العالم الخارجي، ليصوّروا بواقعيّة، الحياة واليوميات في ذلك الزمان والمكان. وإن كان التصوير خارجياً غالباً، فقد كان التصوير الداخلي في شقق مُستأجرة. وكانت باريس الديكور المثالي كونها المدينة التي يعيش فيها صانعو هذه الأفلام، فصوّروا أناساً حقيقيين في شوارع حقيقية ومدينة حقيقية، يؤدي الممثلون بينهم وفيها أدوارَهم. وكان هؤلاء الممثلون شبّان غير محترفين وصاروا لاحقاً نجوماً، صارت، النّساء منهم تحديداً، أيقونات سينمائية عالمية، منهن آنا كارينا وكاترين دينوڤ وجان مورو ورومي شنايدر وأخريات.

ما صنعه المصوّرون الفوتوغرافيّون، في ظلّ المخرجين، هو تخليد ثابت للأفلام، وهو الأكثر تداولاً (إنترنت، صحافة، ملصقات… الخ)، كما هي الأفلام تخليد متحرّك لنفسها، الثابت صنعه المصوّرون والمتحرّك صنعه المخرجون، وهي صور خارج إطار الفيلم، خارج إرشادات المخرج، فلا يمكن للمصوّر أن يتّخذ مكان مصوّر الفيلم، السينماتوغرافر، ليلتقط الصّورة نفسها التي ستظهر في الفيلم، بالإطار نفسه. فكانت هذه الصّور الفوتوغرافية حياة موازية للشريط السينمائي.

في القدس العربي

This entry was posted in: 1

بواسطة

روائي وناقد سينمائي فلسطيني، يعيش في باريس. مؤسّس ومحرّر "رمّان الثقافية". له «تأملات في الفيلم الفلسطيني» (٢٠٢٣)، والروايات: «عين الديك» و«سيناريو» و«تذكرتان إلى صفّورية».

للتعليق..

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.