الأولى
تعليقان 2

عن تجربتي الأولى والأخيرة مع دار راية للنشر

لم أُرد يوماً أن أكتب عن تجربة سيّئة مع دار نشر اخترتُها لنشر كتاب لي، أو لم أُرد أن تكون لي أساساً تجربة كهذه، ولكن، وقد حصل وجرّبت ذلك في كتابي الأخير «ليس عليكِ سوى الماء» مع دار راية للنشر في حيفا، كان لا بدّ من الكتابة عن الموضوع، لنفسي أوّلاً كي أقول ما أودّ قوله، ولآخرين ربّما إن كان في تجربتي ما يفيد، ودائماً دون تعميمها، فلي تجارب ممتازة مع دور نشر أخرى.

أنهيت المخطوط، بحثت له عن دار نشر، تواصلت مع صاحب دار راية، بشير شلش، أرسلته له ورحّب بنشره، وأخيراً صدر الكتاب في أوائل يناير، بسرعة ملحوظة، وما عرقل هذه السرعة على كلّ حال كان كيفيّة الدفع. لكن لم تكن السرعة هذه أمراً حميداً، وهو ما تبدّى تباعاً بعد تحويل المبلغ لصاحب الدار. وبالنسبة للدفع لم تكن لي مشكلة به لعلمي المسبق أن الكاتب في بلادنا يدفع، ما لم يكن مُكرّساً، وهنالك تسعيرة شبه موحّدة، وأنّ الدفع يصير حتمياً ما لم يكن الحديث عن رواية.

لكنّ السرعة المذكورة لم تكن عقبة، وإن نتجت عن أمور اتّضحت في حينها وتجاوزتُها، كالتدقيق اللغوي، فبعد عدّة أسئلة أخبرني أنه من قام بالتدقيق وأن هنالك تصحيحات طباعية وغيرها خفيفة، لم يخبرني ما هي. أمّا العمل على الغلاف فكان عملاً مشتركاً، أون-لاين، قمنا به سوية بإرشادات تفصيلية مني وعلى لوحة أنا اخترتها، ولمعرفتي الجيّدة في الفوتوشوب أردكت في حينها أنّي لا أراسل «مصمّماً» أو عارفاً ببعض تفاصيل هذا البرنامج وأنّ العمل كان على قوالب لأغلفة موحّدة يتم التبديل عليها. أضيف أنّ الغلاف الجاهز للطباعة لم يكن يحوي اسم الكاتب على الجنب. وسنة الصدور كانت ٢٠١٤ وليس ٢٠١٥، وأمور تفصيليّة أخرى.

لم أتوقف عند صغائر كهذه وإن لم تبدُ البداية حسنة. يخلو الكتاب من أخطاء لغوية حسب علمي وقد مرّرته على أصدقاء للتحقق، ولا بأس في أن أشرف على تصميم الغلاف، على أن يخرج الكتاب بالشكل الأنسب ويُوزَّع وأنتهي منه، تجاوزت ذلك لتفاؤلي تجاه هذه الدار الجديدة نسبياً في عالم النشر، تفاؤلي لكونها تأتي من الداخل الفلسطيني، وشخصياً كان يهمّني أن يخرج لي كتابٌ من هناك كنوع من المشاركة الثقافية في المكان الذي أجدني منتمياً إليه. ولم أتردّد في التصريح بذلك التفاؤل في حينها.

صدر الكتاب ووصلتني نسخ منه بعد ذلك بثلاثة أشهر، تخلّلتها مراسلات سألتُ فيها عدّة مرّات عن الكتب، في واحدة منها ردّ بإرسال صورة لصندوق فيه نسخ من كتابي على أنّها دليل على إرساله لها، وأنا لم أكن قد شكّكت بذلك إنّما طلبت منه رقم الطرد لمتابعته الكترونياً، أمّا صورة الصندوق فحتى الآن لا أعرف مبرّر إرسالها أو متى التُقطت.

وصلت الكتب، لا بأس، محت الفرحة بها كل ما سبقها، لكنّ طباعة الغلاف كانت بائسة، دقّةً وألواناً، رغم تأكيدي له على أن تكون طباعة الغلاف جيّدة. سألته لاحقاً عن ذلك فلم يرد. في الكتاب خربطة في نصّ لم تكن موجودة في نسخة البي دي إف الأخيرة من الكتاب التي أخبرني بأنّه سيرسلها إلى المطبعة. سألته عن كود الكتاب، ISBN، لم يرد، أعدت سؤاله مرّات عن ذلك وغيره ولم ألق غير التجاهل. أخبرني في تراسل سابق أنّه سيرسل نسخاً إلى الصحافة وبعض الكتّاب مع نص صدور الكتاب، لكنّ كل صحيفة نشرت الخبر كنتُ أنا من أرسل إليها النصّ، لأقوم أخيراً بدور الكاتب والمدقّق والمصمّم وأخيراً المعلن والموزّع مع الدفع للدار تكلفة كلّ ذلك.

في العقد الذي أرسله لأوقّعه وأعيده له كي يوقّعه ويرسل لي صورة للعقد بالتوقيعين، لم يوقّع عليه واكتفى بتوقيعي، في العقد ذاته تمت الإشارة إلى أن نسخي من الكتاب هي ٣٠٠، وأنّ للكاتب ٩٪ من نسبة المبيعات تنازلت له عنها. ومن النسخ هذه لم يصلني غير ٦٠ نسخة و٦ كتب كنت طلبتها لكتّاب آخرين على أن تُستبدل بـ ١٠ من كتبي، أي وصلني ٧٠ نسخة من الـ ٣٠٠.

طلبت بعد ذلك مجموعة أخرى من النسخ لأوزّع الكتاب في رحلاتي الثلاث إلى بيروت، لم يرد. قبل ذلك كان قد أخبرني بأنّ الكتاب سيتوفّر في ٢١ مركز توزيع في الداخل، (أرض الـ ٤٨) عدّد بعضها، وعدّد كذلك مدناً في الضفّة سيتوفّر الكتاب فيها، كان ذلك في بداية تراسلنا. لاحقاً، بعد الدفع والطباعة، سألته عن توزيع الكتاب في مكتبات الداخل في فلسطين وإن كان فعلاً قد وزّعه في عدّة مكتبات هناك وكذلك في الضفّة وسألت عن غزّة، لم يرد والأسوأ أني عرفت من أصدقاء في رام الله وحيفا، حيث مكتب الدار، أن الكتاب غير متوفر في المكتبات.

يمكنني فعلاً تجاوز كلّ ما ذكرت إن كان الكتاب يتوفّر في معارض الكتاب العربيّة، وهذا ما قد أكّده لي، أنّ الدار ستشارك في معارض القاهرة والدار البيضاء وتونس وغالباً عمّان وأنها تشارك عبر وكلاء في المعارض العربية الأخرى. أخيراً، لم تشارك الدار في أي من المعارض العربية، لا بشكل مباشر ولا عبر وكلاء.

بعد كلّ ذلك وغيره، ما الغاية إذن من طباعة كتاب أو من تأسيس دار نشر تتعجّل الكتّاب للدفع ثمّ يحصل ما حصل، ترسل له عقداً لا توقّع عليه، تطبع نسخاً محدودة من الكتاب وتحبسها في مخزنها، لا توزّعه حتى على المكتبات في المدينة التي تتواجد فيها، ولا تُرسل خبراً واحداً لجريدة محلّية؟

الاستحالة (الحاليّة) لدخولي فلسطين سهّل غالباً على صاحب الدار كلّ ذلك، فأقصى ما أستطيعه هو الكتابة عن الموضوع، واعتماد نسخة البي دي إف من الكتاب ونشرها على الإنترنت. ولم يبق لي الآن غير التّصديق على ما قاله بخصوص توزيع الكتاب حسب «قائمة مهمة للنشر في العالم العربي وفي كثير من الأماكن»، فلديه «بروفيل مهني جداً»، وأخيراً «يعني نحن صوت في البريّة»، أصدّق على ذلك، ومن تجربة.

 في فصل المقال 

This entry was posted in: الأولى

بواسطة

روائي وناقد سينمائي فلسطيني، يعيش في باريس. مؤسّس ومحرّر "رمّان الثقافية". له «تأملات في الفيلم الفلسطيني» (٢٠٢٣)، والروايات: «عين الديك» و«سيناريو» و«تذكرتان إلى صفّورية».

تعليق واحد

  1. د. محمد رجب says

    شكرا على مشاركتك التجربة المريرة والله يعوض عليك وعلينا جميعا

    إعجاب

  2. soul Angel says

    اعنقد ان بعض الاخطاء ضرورية كي نفهم حقيقة الامور ولا نثق بمهمن كان وايا كان ..
    يبدو انك عانيت كثيرا معها ولكن في كل الاحوال ما من جديد ..
    ما زالت الشعوب الغربية تدعم الجاهل كي يصبح عالم بينما الشعوب العربية تقمع العالم كي يصير جاهل .ز
    مع حبي
    soul angel

    Liked by 1 person

للتعليق..

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.