1, الأولى
اكتب تعليقُا

“أن أمشي على جرحي… وأُقاوم”: الحكم العسكري في السينما الفلسطينية

نشر البحث في مجلة “قضايا إسرائيلية” (العدد ٩٠، صيف ٢٠٢٣) الصادرة عن “مركز مدار” في رام الله. أدناه أنشر المقدمة، ويمكن قراءة البحث كاملاً هنا…

مقدمة

لا تبتعد السينما الفلسطينية في موضوعاتها، عموماً، عن مساحة الأمان في تصوير قصّة فلسطينية، والمساحة هذه هي الراهن، الآن هنا. “الآن” محدودة جداً ومتماهية مع زمن صناعة الفيلم، و”هنا” يحكمها أمر واقع ومحدودية سياسية إما حصرته في مدن الضفة أو مرّت بها كضرورة لـ “تثبيت فلسطينية” الفيلم. هنالك دائماً استثناءات، وهي كالعادة دليلٌ على القاعدة. وبما أن الحديث هنا عن عموم موضوعات هذه السينما، يسهل استحضار أمثلة تكون الاستثناء المقصود، تعطي تنويعاً لكن يبقى محدوداً في أو محيلاً إلى مكان ما في الضفة الغربية أو قطاع غزة، أي “فلسطين” كما قرّرتها علاقات القوة في العالم التي خضع لها الفلسطينيون ووقّعت بحكمها منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات تنازلية.

أفلام قليلة خرجت عن “الآن هنا” بشكل قطعي، أي من كليهما معاً ومن دون إحالات إلى أي منهما، أفلام عادت بتعريف “فلسطينية” الموضوع إلى أصله، إلى ما قبل اتفاقيات “أوسلو” زماناً ومكاناً، وما ترتّب عليها. الأفلام الروائية السابقة لذلك، في السبعينيات والثمانينيات، تنوّعت في موضوعاتها، على قلّتها. هي أربعة: «المخدوعون» (١٩٧٢) لتوفيق صالح، ويحكي عن فلسطينيين يحاولون الخروج من المخيم للسفر إلى الكويت والعمل هناك، وهو مقتبس عن رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس». و«كفر قاسم» لبرهان علويّة، سأتناوله مفصّلاً في هذا البحث. و«عائد إلى حيفا» (١٩٨٢) لقاسم حول، وفيه يعود رجل من رام الله إلى بيته في حيفا إثر حرب عام ٦٧، ليواجه عائلة يهودية تسكنه، وجدت ابنه المفقود منذ عام النكبة فربّته وصار جندياً إسرائيلياً. و«عرس الجليل» (١٩٨٧) لميشيل خليفي، وهو كذلك سأتناوله مفصّلاً هنا.

مع عقد التسعينيات، دخلت السينما الفلسطينية مرحلة جديدة حدّدتها الاتفاقيات وآثارُها في الاجتماع والسياسة والثقافة الفلسطينية، ولم تكن السينما استثناء في ذلك. فبدأت تسيطر راهنية زمانية ومكانية على السينما الفلسطينية مع أفلامٍ لخليفي ورشيد مشهراوي وإيليا سليمان، ومن بعدهم ومعهم في أفلام ما بعد العام ألفين، لهاني أبو أسعد وآن ماري جاسر وآخرين، وصولاً إلى مها حاج في العقد الثاني من الألفية، وآخرين من المخرجين والمخرجات الشباب في أفلامهم الأولى والثانية على طول العقدين والسنوات الأولى من الثالث. وليست “الراهنية” بحد ذاتها قيمة مضافة أو منقوصة، لكنها حدّدت من آفاق أمكنَ للقصص الفلسطينية أن تخوض فيها.

تكرّست “الآن هنا” كحدود سينمائية فلسطينية ما بعد العام ألفين، فلم تشهد هذه السينما أفلاماً ابتعدت زماناً وتناولت قصصاً من حقبة تاريخية فلسطينية ما، أستثني هنا فيلم «باب الشمس» (٢٠٠٤) للمصري يسري نصرالله، وهو من أهم الإنجازات السينمائية العربية تاريخياً، ومقتبس عن رواية لالياس خوري بالعنوان ذاته. وفيلما «لما شفتك» (٢٠١٢) لآن ماري جاسر و«فرحة» (٢٠٢١) لدارين سلّام. من بين كلّ ذلك، يمكن اعتبار الأفلام الثلاثة التي تناولت الحكم العسكري الإسرائيلي، موضوع هذا البحث، حالةً ملفتة تستحق قراءة خاصة، وما يزيد من الخصوصية المستحقة هذه هو انتماء كل من هذه الأفلام إلى مرحلة منفصلة عن غيره ضمن السينما الفلسطينية، ما انعكس على طبيعة مقاربة كل منها لتلك الحقبة المظلمة من تاريخ الفلسطينيين وحياتهم. لكن، قبل البدء بتناول الأفلام الثلاثة، لا بد أولاً من كلام سريع عن “فلسطينيّة” كل منها، وفي ذلك ما يُقال.

This entry was posted in: 1،الأولى

بواسطة

روائي وناقد سينمائي فلسطيني، يعيش في باريس. مؤسّس ومحرّر "رمّان الثقافية". له «تأملات في الفيلم الفلسطيني» (٢٠٢٣)، والروايات: «عين الديك» و«سيناريو» و«تذكرتان إلى صفّورية».

للتعليق..

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.